الرئيسية / الجمعية / ندو ة الحق في الذاكرة بين التنظير و التفعيل
الحق في الذاكرة

ندو ة الحق في الذاكرة بين التنظير و التفعيل

 أماكن ذاكرة سلا نموذجا

يندرج تنظيم ندوة الحق في الذاكرة بين التنظير والتفعيل : أماكن ذاكرة سلا نموذجا، ضمن زخم الشراكة الوثيقة التي تجمع المجلس الوطني لحقوق الإنسان بجمعية سلا المستقبل، في سعيهما الدؤوب لتأصيل  نقاش تعددي وشفاف، لتعميم الوعي بتيمة وقيمة الحق في الذاكرة ، وللتمكين من آليات المرافعة المدنية الهادفة من أجل إدراج حاضرة سلا، بتاريخية نضالها من أجل الحرية والديموقراطية، ضمن أماكن الذاكرة الجديرة بالحفظ والاعتراف ، باعتبار هذين الهدفين أحد المداخل الحقوقية و القيمية الأساسية لتفعيل ورش حفظ الذاكرة والتاريخ، المنبثق عن توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة، والممتد في فعاليات تأسيس مركز حفظ ذاكرة سلا، الذي يتشرف بإعلان ميلاده الفعلي من خلال هذه الندوة المباركة تحت مسمى: (برج الذاكرة السلاوية)، تيمنا بالقيمة الرمزية للأبراج في حماية وتأمين ثغر سلا تاريخيا.

وإسهاما من جمعية سلا المستقبل في تقريب الجمهور الواسع من حيثيات وسياقات وحوافز اختيار موضوع الندوة، في تقاطعاتها مع تراكمات البحث العلمي في مجال الذاكرة، و تحديد مجالات اشتغالها واستعمالها وتمفصلات علاقتها بالتاريخ، فيجدر التنويه أولا إلى أن اشتقاق وانبثاق مفهوم الحق
 في الذاكرة، كحق ينتمي إلى الجيل الثالث من حقوق الإنسان، يرتبط بأدبيات تفعيل مبادئ العدالة الانتقالية، كصيرورة انتقال وتطور ديموقراطي، في استحضارها للذاكرة، كمجال مفتوح لإعادة القراءة المشتركة لتوترات ومظالم وانتهاكات الماضي، وإيجاد لغة مشتركة لتعريفه، وتثبيث معرفة موثقة بحقائقه المخفية والمنسية، و إيجاد صيغ وآليات مناسبة لحفظ معالمه وشواهده و أماكنه من الطمس والضياع.

وعلى هذا الأساس، يغدو الحق في الذاكرة، في العلاقة بالتجربة المغربية، مرادفا لواحد من أنبل استحقاقات ديناميات إجلاء الحقيقة و توطيد الإنصاف و تشييد صرح المصالحة، كورش  سياسي حقوقي واستراتيجي كبير وحاسم لتحصين التطور الديموقراطي ودولة الحق والقانون و كونية حقوق الإنسان بوطننا، بما يستلزمه من استنهاض وإشراك وتعبئة لكل المعنيين المؤسسيين و الحقوقيين
 و الفاعلين السياسيين وضحايا الانتهاكات الجسيمة، لاستكمال وتعميق توصيات وأدبيات هيئة الإنصاف والمصالحة، والانخراط في  ورش تقاسم قراءة مشتركة لتوترات الماضي، وإبداع لغة مشتركة للتعريف بمكنوناته، و مأسسة صيغ وآليات لحفظ الذاكرة، وضمان عدم تكرار ما مضى، كمسؤولية وواجب مقدس اتجاه أجيالنا اللاحقة، واتجاه الضمير الإنساني بشكل عام.

غير أن تملك الحق في الذاكرة، بالمعنى السياسي الحقوقي  المتطور المعبر عنه، يستدعي منهجيا وقبليا الإحاطة بمفهوم الذاكرة، كمجال فكري نظري وثقافي شهد تراكمات معرفية هائلة خاصة في القرن العشرين، في ارتباط بفظاعات الحربين العالميتين و ويلات الاستعمار وملاحم الاستقلال، مما أنتج الحاجة المنهجية والمعرفية إلى واسطة جديدة  لحكي وتدوين وتوثيق فظاعات ماجرى خارج الأنساق الرسمية المتواطئة والمتآمرة لكتابة التاريخ، فازدهرت بذلك أدبيات الذاكرة كبديل عملي وإجرائي سيال وخصب عن مرجعية الكتابة التاريخية الرسمية المقيدة والمحافظة، وهكذا تم اشتقاق مفهوم الذاكرة، الذي يحيل إلى آليات تمثل الماضي واستحضاره، بحيث يستدعي هذا التمثل الاسترجاعي لنسق الذهنيات والتصورات الرمزية، حفرا شاملا في الذاكرة البشرية، كإنتاج اجتماعي وسياسي وثقافي، وتفاعلا لعدة مباحث إنسانية من تاريخ، فلسفة، علم نفس، سوسيولوجيا، أنثروبولوجيا، علوم سياسية، لسانيات، سيميولوجيا…فالذاكرة بتوصيف المؤرخ الفرنسي بيير نورا تمثل ” ما تبقى من الماضي في أذهان الناس، أو ما يتصورونه بخصوص هذا الماضي” فهي موروث ذهني تختزل مسيرة من الذكريات الفردية والجماعية التي تغذي التمثلات المجتمعية.                     .
 و يلزم التنويه إلى أن مفهوم الذاكرة هو ملتقى مفاهيمNotion ــ  Carrefour كما يعرفها المؤرِّخ الفرنسي جاك لوغوف (J. Le Goff) ، حيث ترتقي  الذاكرة لتشكل “الجسر الذي نحقّـق به استمرارنا عبر الزمن”. وأن”دور الذاكرة بارز في نشاط المخيلة، وقبل كل شيء في تقديرنا لأنفسنا”.

وفي العشرين سنة الأخيرة من القرن العشرين، أو القرن الأصعب والأقصر كما نعته المؤرّخ البريطاني الشهير إيريك هوبسباوم (E. Hobsbawm) في كتابه “عصر التطرّفات”، جاءت الذاكرة إلى “المقدمة” لدرجة التساؤل حول ما إذا كنّا قد انتقلنا ــ رغما عنّا ــ من مفهوم التاريخ إلى مفهوم الذاكرة، و الحديث عن كوننا أصبحنا نعيش “زمن الكل ذاكرة” أو “طغيان الذاكرة” من منظور المؤرّخ الفرنسي بيير نورا (P. Nora) صاحب العمل الأشهر حول “أماكن الذاكرة” (les lieux de mémoire). حيث ارتقت الذاكرة إلى مستوى “عمل الذاكرة” (Travail de Mémoire)، ممّا جعلها أبعد
 ما تكون عن عمليات انتقاء وتلفيق أو امتلاء وتفريغ… كما أنها ارتقت إلى مستوى المفهوم التاريخي الذي بموجبه تتجدّد النظرة إلى التاريخ ذاته.

وتأسيسا عليه، تقترن الذاكرة التاريخية أو الشهادة بتعبير بيير نورا “بإعادة بناء المخيال وخروج المكبوت” فالذاكرة تحكمها الغائية، وتشتغل من منظور الواجب تحت شعار “حتى لا يتكرر هذا”.
فالذاكرة بهذه الخلفيات والإحالات، لا تتموقع في الماضي بمفرده؛ إنما تمتدّ في إطار الحاضر المتدافع
إلى المستقبل أيضا. من ثمّ منشأ ما كان قد أسماه الشاعر المغربي الراحل محمد خير الدين، 1968، بـ”الذاكرة المستقبلية/” (Mémoire-Futur . كما يجدر التنويه لكون الاستخدام الأمثل للذاكرة
 هو الذي لا يكتفي باستعادة الماضي حسب مؤرّخ الأفكار Todorov في كتابه “الذاكرة والأمل”
 و مؤلفه“سوء استخدامات الذاكرة ،(les Abus De la Mémoire)  عبر تأكيده على فكرة الذاكرة التي تعمل على بناء الهوية وتدعيمها، وفكرة “الاستخدام الأمثل للذاكرة الذي يخدم قضية عادلة، وليس الذي يكتفي باستعادة الماضي” والتنبيه إلى مخاطر “سوء استخدام الذاكرة” و”فخ  ”فقدان الذاكرة، والتحذير من مطبة تراجع المستقبل عن أن يكون موجّها لعمل الذاكرة.  

ومن المفيد التأكيد بموازاة هذا التراكم المعرفي، على كون تيمة الذاكرة، بوصفها  مفهومًا وممارسة، ظاهرة مجتمعية عامّة ومُشتركة مُتعدّدة المشارب، عدا عن كونها عالمية وعابرة للقوميات أيضًا، حيث اتسمت موجة العودة العالمية إلى الذاكرة  بإفرازها تمظهرات  سوسيو ثقافية متنوّعة إلى درجة التعقد، رافقها اهتمام علميّ “تؤثّثه مجموعة من المفاهيم  الآتية من تخصّصات متنوّعة، إلّا أنّها تشترك في كونها تتعامل مع تيمة الذاكرة، التي صارت تجمع وتقرب تيمات متعددة: “الذاكرة الجمعية”، و”أماكن الذاكرة”، و”الذاكرة الحضارية”، عدا عن “الذاكرة التواصلية”، و”الذاكرة الاجتماعية”، و”ثقافة التذكّر”، و”النسيان الاجتماعي”، و”سياسة التذكّر” أيضًا، بالإضافة إلى جُملة من المفاهيم المركزية التي تعكس الحركية الكبيرة المُرتبطة بمفهوم الذاكرة، وهي حركة لا تجميعية وتقريبية فحسب، وإنّما تمدّدية وجاذبة أيضا.

نتمنى أن تسهم هذه الأرضية بتركيزها واختصاراتها، في تقريبنا من حوافز وسياقات  واستحقاقات المرافعة الجماعية على ورش الحق في الذاكرة في نبل مقاصده، وأملنا الوطيد أن تفتح شراكتنا الوثيقة مع المجلس الوطني لحقوق الإنسان،و مبادرة لجنة حفظ الذاكرة والتاريخ بتأطير ندوتنا آفاقا رحبة وواعدة لتملكنا الجماعي لواجب ممارسة الحق في الذاكرة، وتمكيننا من تأهيل مقاربتنا لورش أماكن الذاكرة، وتعميم هذه التجربة لاحقا، كفضاء جامع وaراطي، متصالح مع ماضيه، محتضن بحنان لذاكرته وأماكنها، ومتطلع لمستقبل محصن من ماضي الانتهاكات.

شاهد أيضاً

ضريح سيدي بنعاشر

ضريح سيدي ابن عاشروعلاقاته بالإسعاف الاجتماعي

بقلم ﭘول ﭬـالطون ترجمة محمد غرايب  عثرت بالصدفة على هذه الوثيقة القيمة عن ضريح سيدي …

لمحة عن التاريخ الديني والروحي لحاضرة سلا العريقة

بقدر ما تنغرس سلا عميقا في تربة التاريخ الحضري والعمراني والسياسي والاقتصادي والملاحي للكيان الوطني …

باب سبتة

مدخل لمعالم سلا

ليس من المغالاة في شيء القول بأن القرن العشرين ، كان قرنَ انبعاثِ سلا بامتيازٍ، …

جمعية سلا المستقبل تقدم كتابا يؤرخ للذاكرة الجماعية لسلا

بقلم فنن العفاني في لقاء ذي حمولة حقوقية وسياسية وثقافية، قدمت كل من جمعية سلا …

الإعلان عن تأسيس مركز حفظ ذاكرة سلا

بلاغ بمناسبة انعقاد لقاء ذاكرة سلا والتاريخ الراهن والإعلان عن تأسيس مركز حفظ ذاكرة سلا …