إعطاء دفعة جديدة ومجددة لمفهوم “الشراكة” الثقافية
* ماهي الأبعاد الثقافية والاجتماعية التي ترتكز عليها فكرة مهرجان “سلوان” الثقافي ؟
– لقد نظمت جمعية “سلا المستقبل”، الدورة الثانية لمهرجان “سلوان” الثقافي، تحت شعار: “حماية التراث والبيئة”، طيلة الفترة الممتدة من 16 إلى غاية 25 أبريل 2010، وهو يندرج ضمن برنامج عمل الجمعية لموسم 2010 الذي صادق عليه مجلسها الإداري، مع توصية بالتركيز على الانفتاح والتنوع، وترسيخ الطابع الثقافي والتربوي للمهرجان، لتمييزه عن باقي المهرجانات المحلية من حيث الشكل والمضمون، وهي مبادئ عامة تم الإعلان عنها منذ الدورة الأولى للمهرجان السنة الماضية.
ويضع هذا المهرجان نفسه في خندق تنمية الشأن الثقافي المحلي، ومحاولة الإجابة على التحديات الكثيرة المطروحة على مدينة سلا وساكنتها، والسعي للمساهمة، بجانب فعاليات أخرى، في تنشيط الحياة الثقافية والفكرية والأدبية والفنية للمدينة، ذات المؤهلات الثقافية الكبيرة والموروث الحضاري المتميز.
وفي هذا السياق، توخى هذا المهرجان الذي نظمته الجمعية ضمن المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، وفي إطار شراكة مع عمالة سلا والجماعة الحضرية لسلا، وبتعاون وتنسيق مع مؤسسات حكومية ومنتخبة، وفعاليات جمعوية ثقافية وفنية وتربوية وطنية ومحلية، إلى إعطاء دفعة جديدة للعمل الثقافي بمدينة سلا، والمساهمة إلى جانب المبادرات الأخرى الهادفة إلى تطوير حركية التنمية الثقافية بالمدينة، في أبعادها البشرية، وامتداداتها الأدبية والفنية والاجتماعية والرياضية.
وقد حددت الجمعية عددا من الأهداف والمبادئ التي أطرت المهرجان، ويمكن تلخيصها كما يلي :
– توفير مهرجان ثقافي سنوي بمدينة سلا وترسيخ دور الجمعية كفاعل ثقافي في المدينة
– إشراك مختلف الفعاليات المحلية في المهرجان والمزاوجة بين المحلي والوطني في مجال الإبداع الثقافي
– التطوع والمبادرة في التنظيم والمشاركة مع ضمان استمرارية المهرجان والحرص على تطويره
وعليه، فإن المنطلق الأساس لاهتمام جمعية “سلا المستقبل” بالشأن الثقافي المحلي في شتى أبعاده، هو الاجتهاد للرقي بالعمل الجمعوي، والتنمية الثقافية، ومن هنا فإن فلسفة المهرجان تتوخى إعطاء دفعة جديدة ومجددة لمفهوم “الشراكة” الثقافية، سواء مع السلطات العمومية أو المجالس المنتخبة والخواص أو فعاليات المجتمع المدني، التي تولي طبعا الاهتمام الضروري بالعنصر البشري لتمكينه من التفاعل مع محيطه المحلي، وتكرس جهودها لتشجيع إشراك المواطن وحثه على الانخراط في مسلسل التنمية المحلية.
* كيف وقع الاختيار على شعار الدورة “حماية التراث والبيئة” خاصة وأن المهرجان تزامن مع الاحتفال بالذكرى الأربعين ليوم الأرض والبيئة ؟
– من جميل الصدف أن الدورة الثانية لمهرجان “سلوان” تزامنت مع حدث هام، وهو اختيار مدينة الرباط لتشكل المدينة الأولى ضمن احتفالية الذكرى الأربعين ليوم الأرض والبيئة، والذي عرف إقامة عدة تظاهرات وبرامج ومشاريع بمختلف أنحاء الوطن، ومن المؤكد أنه حدث يبرز الأهمية التي ما فتئت تحظى بها قضية البيئة ببلادنا.
وهذه مسألة تحظى باهتمام خاص في عمل الجمعية، وكمثال أذكر بأنه في إطار الحملة العالمية “حركة الشعوب حول التغيرات المناخية” التي تهدف إلى تمكين الجمعيات والحركات الاجتماعية في العالم وخاصة بدول الجنوب من المساهمة في بلورة إطار عمل حول التغيرات المناخية لما بعد 2012، بادرت الجمعية بالانضمام إلى برتوكول الشعوب حول التغيرات المناخية، وذلك خلال اللقاء المنظم يوم 7 دجنبر 2009 بالرباط حول التغيرات المناخية، تزامنا مع انعقاد الدورة 15 لمؤتمر الأمم المتحدة حول التغيرات المناخية بكوبنهاجن.
ولهذا وقع الاختيار على شعار الدورة الثانية لمهرجان “سلوان” حول “حماية التراث والبيئة”، وبالتالي تم إسباغ جل محاور البرنامج بما يزيد على عشرين نشاطا تمحور حول تراث وبيئة المدينة، توزعت على فضاءات قاعة الأفراح بالعمالة، والخزانة العلمية الصبيحية، ودار الثقافة محمد حجي بسلا الجديدة، ورواق “باب فاس” الأثري (باب الخميس)، ثم دار الشباب بالعرجات، علاوة على ثمان مؤسسات تعليمية. لأن الجمعية تعتبر أن مسألة التراث وإشكال البيئة تتصدران قائمة الأولويات التي يتعين أن تحدد عمل القائمين على شؤون هذه المدينة من سلطات محلية ومجالس منتخبة وفعاليات جمعوية.
وهكذا عرف المهرجان ندوات فكرية وأمسيات شعرية وفنية وعروضا مسرحية ومعارض للفن التشكيلي وسهرة موسيقية متنوعة، بالإضافة إلى أنشطة بيئية بالمؤسسات التعليمية علاوة على تخليد يوم الأرض بغابة المعمورة. واستضاف نخبة من المشاركين الذين لبوا دعوة الجمعية، من مفكرين وأدباء وشعراء وقصاصين ونقاد وتربويين وفنانين ومسؤولين عن قطاعات حكومية وفاعلين جمعويين وحرفيين، ينتمون لآفاق محلية ووطنية… وتأمل الجمعية أن تكون قد توفقت في تقديم برمجة متنوعة وهادفة، واستجابت لتلبية أذواق وتطلعات مختلف فئات الجمهور السلاوي.
وعلى ضوء مجريات المهرجان، يجدر الاعتراف بأن إدارة المهرجان تمكنت من إنجاز جل الأنشطة المبرمجة، كما يمكن القول إن الجمعية نجحت نسبيا في بلوغ الأهداف التي سطرتها وتحقيق عدة مكاسب، بفضل مواردها البشرية وطاقاتها الذاتية ومساندة العاطفين عليها، إذ تم تسجيل مكانة المهرجان في المشهد الثقافي المحلي، فضلا عن ترسيخ مكانة جمعية سلا المستقبل كفاعل نشيط ضمن الفعاليات الجمعوية والثقافية للمدينة، وتم إشراك عدد من المصالح والمؤسسات والجمعيات الثقافية المحلية في تنظيمه، وضمان التنوع في البرمجة، والحرص على الطابع التطوعي في إدارته وتنظيمه.
ومع ذلك أقول إنه ككل تجربة، فقد كان للمهرجان جوانبه الإيجابية والسلبية، ولازال دون الطموح الذي ترنو إليه الجمعية، وهذا ما ستقف عنده أجهزة الجمعية، على ضوء ملاحظات أعضاء الجمعية وأصدقائها والمهتمين والمشاركين في المهرجان، بناء على ستة معايير نعتبرها أساسية في التقييم هي: الأهداف كما وكيفا، البرمجة والتنظيم، التمويل، الإعلام والتفاعل.
* هل يمكن القول إن جمعية “سلا المستقبل” كسبت رهان تنظيم المهرجان ؟
– فعلا، لقد سجلت جمعيتنا باعتزاز كسب رهان تنظيم المهرجان في دورتيه الأولى والثانية، وهي مناسبة لتقديم الشكر إلى جميع الشركاء والمشاركين على دعمهم، ولكن هذا لا يعفينا من التذكير ببعض الإكراهات في مجال التمويل، وبصعوبات البرمجة والتنظيم، نظرا لبداية عهد الجمعية بتجربة تنظيم المهرجانات من جهة، واعتبارا بالخصوص لإشكالية الوضع الثقافي العام بمدينة سلا..حيث لم نتمكن مثلا من تنويع الفضاءات المحتضنة للأنشطة لضمان الاقتراب من الفئات المستهدفة وبرمجة أنشطة لفائدتها وإقامة عروض في مختلف أنحاء المدينة التي هي مترامية الأطراف، وهذا يرجع إلى انعدام قاعات أو فضاءات للعرض بمقاطعات المدينة، بحيث أن ثلثي البرنامج تقريبا تمت في مقاطعة لمريسى.. وهذه مسألة غير مقبولة.
وهذه مناسبة سانحة لنؤكد من خلالها، أنه على الرغم من كل النوايا والمجهودات الإيجابية التي بذلتها المصالح المعنية في هذا الشأن، فإن الشأن الثقافي بمدينة سلا يظل في حاجة ماسة إلى تظافر جهود العزائم الصادقة ومساهمة ذوي النيات الحسنة، كل من موقعه، وكذا إلى المزيد من العمل المسؤول والمبادرات الإرادية، لاسيما على مستوى توفير التجهيزات وإحداث البنيات الثقافية الضرورية على امتداد مختلف المقاطعات، دون نسيان أحواز المدينة (مركز ثقافي متعدد الوظائف، مسرح، مكتبات، متاحف، قاعة العرض التشكيلي، معهد موسيقية، فضاءات سينمائية..)، لاستيعاب الحركية الثقافية الفنية المتزايدة، وللاستجابة لانتظارات الحركة الجمعوية ولتطلعات السكان، وخاصة منهم الشباب، بهدف تأمين استمرارية وتجديد الإشعاع التاريخي والثقافي للمدينة.
وفي هذا الصدد، واعتبارا لما لهذا الموضوع من أهمية على مستوى تنمية المدينة، فإن الجمعية تماشيا مع أهدافها، وللتذكير، قامت وتقوم ببعض المبادرات كقوة اقتراحية وكفضاء للنهوض بالديمقراطية المحلية، مثل إعداد مشروع اتفاقية مع وزارة التنمية الاجتماعية بهدف دعم قدرات الجمعية في مجال التنمية الاجتماعية، وخاصة تهيئة وتجهيز فضاء متعدد الاختصاصات وفضاء للجمعيات بسلا، كما أنها في إطار الميثاق الجماعي الجديد الذي يلزم الجماعات المحلية بإعداد مخطط جماعي للتنمية بشراكة مع جميع المصالح المعنية والمجتمع المدني، نظمت جمعية “سلا المستقبل” ندوة حول” نحو مشروع تشاركي للتنمية بسلا ” في خريف سنة 2009 . ويبقى هدف الجمعية الكبير الذي تناضل من أجله مع جمعيات وفعاليات أخرى هو إحداث مؤسسة ثقافية على صعيد عمالة سلا، في إطار مقاربة تشاركية، تهتم بتنظيم مهرجان من الطراز الرفيع يليق بمستوى هذه المدينة وبسكانها لأنها مدينة تستحق كل خير وتطور..
فكما يعلم الجميع، فمدينة سلا معلمة حضارية يمتزج فيها عبق التاريخ بزخم الثقافة، وخير شاهد على ذلك، كما قال السيد اسماعيل العلوي رئيس الجمعية في حفل الافتتاح، هو ما تزخر به من مآثر تاريخية ومقومات ثقافية، وما كانت تنعت به في الكتابات والمؤلفات التاريخية بكونها مدينة العلماء المناضلين ومدينة الأندية الأدبية والفكرية، ثم في العهد الاستعماري بمدينة الصحافة الوطنية، ومدينة الوطنية الشعبية؛ لكن إذا كان ذلك التاريخ مبعث فخر واعتزاز لها، فإن حاضرها وما يشهده واقعها الحالي، يفرض عليها أن تصبو وتتطلع بكل عزم وتصميم نحو المستقبل، لتتمكن من أن تزاوج بين ماضيها وأصالتها وحرصها على صون تقاليدها، وبين انفتاحها على محيطها الاقتصادي والاجتماعي والبيئي لتأكيد حضورها والحفاظ على طابعها المميز كمدينة ثقافية وسياحية.
أجرى الحوار : محمد حجيوي
جريدة “بيان اليوم”
الخميس 29 أبريل 2010