
بقلم : منصف بندحمان
يموت الميتون، ويبقى الأحياء خالدين.
رحل أحد أعمدة الثقافة والفكر والبناء المستقبلي بمدينة سلا، وعلى صعيد الوطن: محمد بهضوض.
من عاشره، يعرف قيمته الإضافية. فضلاً عن كتبه الغزيرة والعميقة، التي تنحاز لأفق الإصلاح والتغيير، بهضوض رجل يُمعن في الإنصات، يلتقط ذبذبات الحوار، ويتنفس مغزى الأفكار. قليلًا ما يُبدي رأيًا أو يُعارض موقفًا، حتى تستدعي الضرورة، ويوقن أن لفكرته صدى وأثرًا.
في حضوره تتجلى كل معاني الحكمة، وترقى الجلسات، وتنبثق المواقف السديدة، وتتعطش اللغة للتدافع والتآلف.
عشنا معًا محطات خالدة: أيام الشباب، حيث كنا مندفعين، تدفعنا فورة التغيير والحماسة الصادقة أحيانًا إلى التهور، ومرات إلى الزلل والابتعاد عن جادة القرار.
بهضوض، برصانته وهدوئه، كان يعرف كيف يمتص الانفعال ليحوّله إلى جودة في الأفعال.
لما ابتعدنا ثم عدنا، وقد تعلمنا من ضربات الحياة، وقسوة السلطة والأقدار، وجدنا محمد على عفّته ونعومته، مكتفيًا بذاته، يرتّب المعنى، ويجلي النظر، يعيد الصياغة، ويدفع نحو التجديد، وإعادة النظر، وحُسن القرار.
قدّم الكثير رفقة الرفاق، بجماعة “لنخدم الشعب” التاريخية المناضلة، التي رعت شبابًا وأينعت أفكارًا، وساهمت في تكوين رجال أبرار أبلوا بلاءً حسنًا في جميع المجالات والمواقع.
وكان من الأوائل بجمعية “سلا المستقبل” رفقة العزيز بنمالك، حيث كانت منارة صادقة، وكان ضوءها وهاجًا، وبصيرتها نافذة.
رحم الله رجالاتنا الأفذاذ بالمدينة:
لحرش، الذي يخترق الصفوف بلا وجل،
الظريف، الصادق الأمين،
حريكي، يده على قلبه، كأن قلبه ينطق بالعشق الدفين.
جعل الله الآخرين نورًا وريحانًا بيننا:
سعيد بندحمان، نادرًا ما يجود الزمان بمثله،
أشوال، ونِعم الرفقة والإخلاص والاحتضان،
بنمالك، الرجل الذي قرر منذ أن فتح عينه أن لا يترك الفراغ يهزم الشباب، ولا اليأس يزعزع الاختيار،
لبريكي، باسِمًا تتجلى نبرته وفتنته،
رشيد الظريف، الشاب الذي يزهر على مدى الأيام،
نزهة بنعياد، السيدة التي عانقت الحرية وقدمت روحها وحنكتها وتبصرها في طبق من ذهب لوطن يستحق كل التضحيات.
نمْ رفيقنا، هادئ الروح كما عهدناك، فبذكرك تسير الركبان.
الحديث عن بهضوض الكبير يدفعنا إلى الاعتراف:
نجيب منتصر زين العابدين، سمفونية تعزف جماعة، والقرار يتجلى عميقًا، والعين والأذن والجوارح تنتعش وتتغذى.
نم قرير العين، متمتعًا بكل التفاصيل.
فهنا وهناك… الجمال والأمل شجَرٌ يتساوق.
جمعية سلا المستقبل