بقلم محمد العبقاري.
أكد عالم الاجتماع المغربي ادريس بنسعيد على أن المجال السياسي الإديولوجي يغذي النزعة الإقصائية للثقافات الأخرى التي توجد داخل المجتمع الواحد كما تؤكد ذلك الدراسات الأنثروبولوجية .
ففي لقاء في إطار الدورة الثالثة لمهرجان سلوان الثقافي ، بالخزانة الصبيحية مساء يوم الجمعة المنصرم ، تحت عنوان “الثقافة و تعدد الهوية المغربية” بتنظيم من “جمعية سلا المستقبل “، أكد بنسعيد على أن الوضع الحالي الذي يعيشه المجتمع المغربي يفرض علينا النظر و مساءلة الأدوات السوسيولوجية لمدى إجرائيتها و قدرتها على فهم الواقع ، معتبرا على أن النقاش الثقافي الذي رفعت شعاراته في الحركات الاحتجاجية لا يعد ثانويا أو تكميليا بقدر ما هو أساسي و جوهري .
وقد حذر من الانفلات في استخدام المفاهيم الأشد استعمالا خاصة ما يتعلق بالهوية و الثقافة عندما ينتقلان فيه إلى المجال السياسي . فالثقافة من المنظور الأنثروبولوجي هي كل ما ينتجه المجتمع و ما يستهلكه من رموز و تعبيرات و قيم قد تتجسد في حوامل مادية أو حوامل لا مادية . و من هذه الناحية أي الناحية العلمية، فالمجتمع هو مزيج بين مجموعة من الثقافات تتحول و تتغير بصفة مستمرة و لا يمكن أبدا في هذا الإطار التعاطي معها بالمفرد . غير أنه من الناحية الإديولوجية الأمر مختلف ، تفرض النزعة الفردية للثقافة الواحدة التي تصبح المعيار الوحيد للحكم بصلاح أو فساد باقي الثقافات الأخرى ، و تشتغل في إطار التوحيد و يتم تحويلها إلى ثوابت مقدسة ، كما تفرض التراتبية الثقافية باعتبار وجود الثقافة العليا و الأخرى الدنيا التي لا قيمة لها ، مما يكرس الإقصاء و التهميش لباقي الثقافات الأخرى ، فالثقافات في الأصل متساوية من ناحية القوة ، و تراتبها و تمايز الواحدة على الأخرى مرتبط ارتباطا وثيقا بالهيمنة الاقتصادية و السياسية و الاستحواذ على سلطة القرار . وقد نبه في هذا الإطار الأستاذ بنسعيد على طغيان ذلك على المجتمع المغربي المتعدد الثقافات ، و حذر من الثقافة التي تعتبر نفسها الوحيدة الحاملة لقيم المجتمع المغربي و الثقافة الوحيدة التي تعبر عن أصالة هذا المجتمع .كما اعتبر “أن المتن الإيديولوجي مؤسس لأوهام كبرى و لأصالة ليس لها سند تاريخي أو علمي و إنما على أصالة مبنية إيديولوجيا تتحول تدريجيا إلى أداة من أدوات الصراع السياسي “.
أما فيما يتعلق بالهوية ، فقد اعتبر بنسعيد أن هذا المفهوم ، مفهوم فلسفي فضلا على أنه مفهوم إديولوجي ، و ليس بواقع تاريخي أو اجتماعي بقدر ما هو بناء و يتخذ شكلين ، شكل أول و هو ما يسمى بالهوية العمياء وهي أن هوية المجتمع لا توجد فيه ولكن توجد خارجه و خارج التاريخ ، كما أنها توجد في تاريخ لا تاريخ له و في زمن لا زمن له أو في زمن يتم بناؤه ، بالتالي لكي نتماها مع هويتنا و مع أصالتنا يجب أن نرجع إلى هذا المرجع ، الذي نبنيه دائما إلا أنه لم يتحقق . و الشكل الثاني ما يسمى بالسلفية أو الأصولية و هو اختيار عصر معين أو زمن معين و اعتبار أنه الزمن المرجعي و العصر المرجعي ، فهويتنا هي عندما نرجع إلى تلك الفترة المحددة كما بنيناها ، و هذه المقاربة السلفية متعلقة بالحركات الدينية المتفرعة خاصة من البروتستانتية في أوروبا و بصفة أخص في أمريكا . في هذه الحالة تصبح هوية أي مجتمع من المجتمعات هي بناء تتدخل العديد من العناصر فيه و من جملتها العناصر الثقافية.
أما من جانب اللغة ، أكد بنسعيد على أن اللغة الفرنسية هي المفتاح الذهبي في كل الإدارات و تمارس بشكل مباشر من طرف النخب ، و هو أمر مقلق للغاية ، كما أن نضال الجمعيات و الحركات الأمازيغية من أجل اعتبار ثقافتها ولغتها كأساس تشترك فيه مع العربية داخل المجتمع المغربي ، ينظر إليها بشكل غير إيجابي و تسقط عليها أحكام ليست موضوعية و منطقية. و هو أمر يستدعي تعميق المعرفة ، و الاهتمام بالشكل الكافي بالثقافات المغربية