في ندوة تكريمية لشخصية الراحل عبد الرحيم بوعبيد
تحت شعار:
“المناضل الوطني…القائد السياسي…ورجل الدولة”
في إطار أنشطتها السنوية، نظمت جمعية سلا المستقبل ندوة فكرية تكريما للفقيد عبد الرحيم بوعبيد،
وذلك يوم الخميس 11 فبراير 2010 بقاعة الحفلات لعمالة سلا. ترأس هذا الحفل السيد مولاي إسماعيل العلوي رئيس جمعية سلا المستقبل وتعاقب على تنشيطه كل من الأستاذة مصطفى بوعزيز والأستاذ الموساوي العجلاوي. قبل انطلاق جلستي هذا الحفل تم بث شريط يعرض لأهم محطات ونضالات والمسار السياسي للمناضل عبد الرحيم بوعبيد.
بعد ذلك افتتح الندوة السيد مولاي إسماعيل العلوي حيث رحب بالحضور الكريم وأوضح أن هذا النشاط يندرج ضمن سلسلة من الأنشطة المبرمجة خلال هذه السنة، وأنه يأتي في إطار تخليد ذكرى 11 و 29 يناير 1944 إحياء للذاكرة التاريخية المحلية والوطنية. كما أعلن أن الجمعية سبق لها تكريم كل من المجاهد أبو بكر القادري و المجاهد عبد الكريم الخطابي في السابق وهي تعتزم تكريم كل من المجاهد أحمد معنينو في ربيع السنة الجارية والمجاهد بن سعيد آيت يدر في خريف السنة المقبلة.
خلال الجلسة الأولى قبل إعطاء الكلمة للأستاذ أبو بكر القادري، أبرز منشط هذه الجلسة الأستاذة مصطفى بوعزيز أن هناك نوعان من الذاكرة، الذاكرة الجماعية والذاكرة التاريخية وأنهما مختلفين من حيث المقاربة والنتائج المتوصل إليها وأن مواجهتهما مؤشر من مؤشرات التقدم نحو الحداثة. في بداية كلمته صرح الأستاذ أبو بكر القادري أنه تعرف على عبد الرحيم وهو لازال تلميذا وأبهره باهتمامه الكبير بالسياسة مما جعله يتنبأ له بمستقبل واعد. ففي كلمة تأبينية ألقاها عبد الرحيم في حق أحد أصدقائه لمس أبوبكر القادري أن المرحوم دقيق في أسلوبه، يزن عباراته جيدا ومقتنع مما يقول. وظل المرحوم عبد الرحيم في اتصال دائم بالأستاذ أبو بكر رغم انتقاله إلى فاس حيث اشتغل هناك كمعلم وكان في نفس الآن يقوم بتأطير طلبة جامعة القرويين الوافدين من مدينتي الرباط وسلا. خلال جنازة المرحوم بلفريج اغتنم عبد الرحيم الفرصة، يقول أبو بكر، وألقى خطابا في المسجد دعا فيه الجماهير القيام بمسيرة سلمية. وخلال إقامته بباريس لمتابعة دراسته كان عبد الرحيم في اتصال بالطلبة والعمال ليضمهم إلى الحركة الوطنية، لقد كان يقول أبو بكر متحمسا يصبوا الانتقال من مرحلة إلى أخرى أسمى منها. وفي آخر كلمته أبرز أبو بكر بعض الخصال التي كان يتميز بها عبد الرحيم من قبيل الوفاء والصدق والإخلاص للصداقة والأخوة.
قبل إعطاء الكلمة للمجاهد بن سعيد، أكد الأستاذ بوعزيز أن كل ما كان يتداول داخل الحركة الوطنية في تلك المرحلة التاريخية كان ينقل إلى باريز ويوثق وأن جزءا مهما من هذه الوثائق لازال محفوظا. كما أشار إلى أن نقل نضال الشعب المغربي إلى باريز هو نقل الصراع إلى قلب الشارع الفرنسي. وبالصراحة المعهودة فيه أبرز المجاهد بن سعيد أن هناك مستوين لعلاقته مع عبد الرحيم. علاقة غير مباشرة في مرحلة أولى وأخرى مباشرة في مرحلة ثانية. في المرحلة الأولى أعد بن سعيد بعض المحطات التي تعرف فيها على عبد الرحيم دون مقابلته بشكل مباشر. منها اطلاعه على اسم عبد الرحيم ضمن لائحة الموقعين في وثيقة الاستقلال وهو لازال طالبا بالجامعة بمراكش، ثم في لقاء نضالي غير مباشر وهو منفي بمراكش. بعدها كمفاوض مع السلطات الاستعمارية وخلال المؤتمر الاستثنائي لحزب الاستقلال سنة 1957 عندما قدم عبد الرحيم التقرير السياسي. كما تعرف عليه لما كان في حكومة عبد الله إبراهيم وبن سعيد في جيش التحرير لما كانا يلتقيان للتداول في بعض القضايا السياسية. تلك الحكومة التي أجهضها ولي العهد آنذاك يقول بن سعيد. وبخصوص لقاءاته المباشرة مع عبد الرحيم، أولاها كانت في مدينة ميلانو بإيطاليا 1965 وثانيها بباريز سنة 1969 عندما كان عبد الرحيم يتدارس خلافاته مع الفقيه البصري وثالثها في لقاء موسع تمت خلالها إثارة قضايا جوهرية وخلافية تخص التوجه الثوري للحزب. وبعد دخول منظمة 23 مارس إلى الشرعية في 1981 كانت للمجاهد بن سعيد عدة لقاءات للتنسيق مع عبد الرحيم على المستوى النقابي والحقوقي أفرزت الكتلة الديمقراطية. “شخصية عبد الرحيم تستدعي الدراسة العميقة لاستخلاص الدروس بالنسبة للمرحلة الحالية” بهذه العبارات أنهى بن سعيد كلمته.
أما الأستاذ الواحي فقدم قراءة في وثيقة تاريخية لعبد الرحيم بوعبيد. هذه الوثيقة هي محضر استنطاق عبد الرحيم في 28 أبريل 1944 من طرف مفتش الأمن الإقليمي بسلا، وتوجد بمركز الأرشيف للخارجية الفرنسية بمدينة نانت بفرنسا. في هذه الوثيقة يقر عبد الرحيم بانتمائه إلى الجناح الحزبي أي القومي واعترف فيها بأن أحمد بلفريج هو من سلم له وثيقة الاستقلال ونفى معرفته بالأموال التي تجمع لدعم العمل الوطني. كما اعترف بخطبته في المسجد ودعوته الناس التوجه إلى المشوار لمقابلة السلطان محمد بن يوسف في جو سلمي.
في ختام الجلسة الأولى أعطيت الكلمة للسيد محمد بوعبيد الذي توقف عند بعض محطات حياة الفقيد. “عبد الرحيم إنسان بسيط في حياته ويسكنه حب الوطن، مهندس النضال ومؤطر الشباب” هكذا وصفه المتدخل حيث وقف على مجموعة من المحطات من حياة الفقيد منذ دراسته وخلال عمله كمعلم ومؤطر للطلبة بجامعة القرويين ومناضل بالديار الفرنسية في مرحلة دراسته بباريز إذ كان يسهر على تكوين خلايا من الطلبة والعمال ويربط الاتصال بمجموعة من الأحرار الفرنسيين.
تحت عنوان “عبد الرحيم رجل الدولة والقائد السياسي” افتتح الجلسة الثانية الأستاذ الموساوي العجلاوي. في بداية هذه الجلسة أعطيت الكلمة للأستاذ فتح الله ولعلو، الذي أبرز البعد الاقتصادي في شخصية عبد الرحيم حيث كانت له علاقات مع أساتذة وخبراء فرنسيين في الاقتصاد، كما ارتبط في ممارسته كوزير خلال أربع سنوات بالسياسة الاقتصادية. في كلمته تناول فتح الله “المقاربة البوعبيدية للسياسة الاقتصادية” ثم “الاقتصاد في خطاب بوعبيد“. فبخصوص المقاربة البوعبيدية، عند تحمله حقيبة وزير الاقتصاد حيث كان المغرب مقسما إل ثلاثة مناطق، اتخذ بوعبيد أهم قرار اقتصادي في 1957 بإخراجه لنظام جمركي مستقل وضع حدا لنظام عقد الجزيرة. وبذلك تم إحداث مكتب الصرف وتمت القطيعة مع الفرنك الفرنسي. كما اتخذ قرارا يقضي بتحويل الأرباح الإضافية للمكتب الشريف للفوسفاط إلى التجهيز بالإضافة لإحداثه لعدة مؤسسات مالية وأخرى صناعية. وفي ما يتعلق بالبعد الاقتصادي في خطاب بوعبيد، أبرز أن بوعبيد كان يرى ضرورة الدفاع عن السيادة الوطنية والاهتمام مبكرا بالاقتصاد المختلط مع الحرص على التوزيع العادل للدخل القومي مع دعوته لربط التنمية الاقتصادية بالوحدة الترابية مع حرصه على الاهتمام بالبعد المغاربي. كما كان بوعبيد حريصا على العلاقات بين المغرب وأوربا مهتما بالمديونية وسياسة التقويم رابطا الديمقراطية بالتنمية الاقتصادية. وفي ختام كلمته قال ولعلو أنه كلما تذكر الفقيد بوعبيد إلا واستحضر جنازته التي كانت صك ثقة الشعب المغربي في شخصه.
أما الأستاذ الشيكر فقد تناول شخص الفقيد من زاويتين. الأولى تحت عنوان “عبد الرحيم وجيل الرواد” حيث أبرز أن نخبة الفعل تجمع بين التنظير والنضال وأن العزوف السياسي ناتج عن عدة تراكمات وعن عدم التقيد بالميثاق الوطني لدمقرطة البلاد. أما الزاوية الثانية تحت عنوان “عبد الرحيم بوعبيد ومصير مشروع” أبرز خلالها أن الأستاذ عبد الرحيم كان ينتمي إلى نخبة يسارية داخل حزب الاستقلال أفضت إلى تكوين الحزب الوطني للقوات الشعبية كان همها تحرير العباد بعد الانتهاء من تحرير البلاد.
“تأملات في خطاب عبد الرحيم” و “تأملات في ممارسته” محوران تناول من خلالهما الأستاذ محمد الساسي شخصية عبد الرحيم. في المحور الأول عدد الأستاذ الساسي مجموعة من الخصائص التي طبعت خطاب الفقيد منها:
* جرأته على قول “لا” حيث كان لا يهادن ولا يقول لا من أجل المشاكسة بل كان يعللها؛
* خطابه علماني غير مبني على مرجعيات دينية ولا يمكن تصنيفه في مدرسة خاصة اقتصادية أو قانونية أو غيرها بل كان متعدد الأبعاد؛
* كان لا يكتب خطاباته بل يكتفي ببعض رؤوس الأقلام؛
* خطابه داخل الحزب لم يكن موجها لقطاع حزبي خاص بل كان خطابا فيديراليا؛
* خطابه واضح يمكن أن يفهمه الجميع لكن قوي ببساطته؛
* خطابه هادئ في إلقائه وغير متشنج وإيقاعه بطيء يترك فيه فراغات يستطرد خلالها؛
* خطابه يتميز بثنائية المرسل إليه الدولة والشعب؛
* خطاب المطلع الذي كان يزعج الحاكمين بمعلوماته وخطاب رجل دولة؛
* خطاب تميز بالمرافعة الاشتراكية للاقتصاد وحضور النقد الذاتي.
أما على مستوى الممارسة، استشهد الساسي بكلمة تأبين رفيقه اليوسفي أثناء جنازة الفقيد بوعبيد، حيث قال “لولا هذا الرجل لكانت عصفت على بلادنا عاصفة هوجاء أتت على اليابس والأخضر“. لقد جنب عبد الرحيم المغرب حربا أهلية يقول الساسي كما أن اليوسفي في أول اجتماع للحزب بعد موت عبد الرحيم قال أن الفقيد كان “حزبا قائما بداته داخل الحزب“. في الوقت الذي كان عبد الرحيم يطالب بإطلاق سراح المعتقلين كان آخرون يطلبون الحوار حول الحكومة. وفي آخر كلمته نبه علي الهمة وحزب الأصالة والمعاصر من الدخول بالبلاد إلى وضع لا وجود فيه لرجال مثل الفقيد بوعبيد ويصبحون يعتقدون أنهم يمتلكون الحقيقة ويدوسون على كرامة المواطنين لأن من شأن ذلك أن يهب بمستقبل البلاد.
وفي الأخير أعطيت الكلمة للأستاذ طارق السباعي عن الجمعية المغربية لحماية العام المال بالمغرب، حيث أبرز أن عبد الرحيم كان متقشفا في حياته الشخصية وأيضا على مستوى مسؤوليته في الدولة وكان يؤسس لدولة ولآليات حماية المال العام من خلال استصدار بعض المراسيم والنصوص خلال توليه مسؤولية وزير. وأسس عبد الرحيم لمبدأ المنافسة للإنفاق في المصاريف كما وضع مرسوما لحماية سمك “الشابل”. في الأخير قال الأستاذ طارق أن لا جدوى من قانون من أين لك هذا في دولة لا تحاسب مسؤولين اغتنوا من ثروات هذه البلاد.
اختتم أشغال هذه الندوة السيد مولاي اسماعيل العلوي حيث أكد أن الفقيد عبد الرحيم رجل دولة كان يطمح لمغرب تحترم فيه الحريات ورجل سياسة يسعى إلى أن لا نسقط في تجاوزات لن تخدم شعبنا.
التغطيةمن إنجاز: أحمد حفار