الرئيسية / الجمعية / لقاءات المعرفة حول كتاب  سلا المدينة المقفلة

لقاءات المعرفة حول كتاب  سلا المدينة المقفلة


في إطار برنامجها السنوي بشقيه المدني والثقافي، استضافت جمعية سلا المستقبل، ضمن سلسلة “لقاءات المعرفة” وبتنسيق مع الخزانة العلمية الصبيحية بسلا، جلسة علمية حضرها عدد مهم من الباحثين والمهتمين بحقل التأريخ لسلا وتراثها، وتميزت بطابعها العلمي والوجداني، حول تقديم كتاب «سلا “المدينة المقفلة” الانفتاح الحذر على الغرب من القصف إلى الاحتلال (1851-1912)» للدكتور عز المغرب معنينو. وفي حضور المؤلف، قدم كل من الدكتور لطفي بوشنتوف ود. محمد أوبيهي بصفتهما مؤرخين يشغلان منصب أستاذ بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط، قراءة في الكتاب، وتكلف بتسيير اللقاء المعرفي ليومه 31 مارس 2022، ذ. محمد موسي، منسق برنامج الملتقى الثقافي لجمعية سلا المستقبل.

   

  بعد الترحيب بالحضور، افتتح د. لطفي بوشنتوف القراءتين بالتنويه بالدراسة التي تتميز بالاعتماد على الكثير على المصادر. ثم تابع بقراءة مختصرة في عنوان الكتاب، فتوقف عند ورود “سلا المقفلة” بين مزدوجتين مما يوحي للقارئ اللبيب بدلالات عميقة تفضي إلى ربطه بالانفتاح الحذر، المتولد عن العلاقة المتشنجة مع المحيط القريب والغريب.
   


      من هذه المفارقة بين القفل والحذر صاغ المتدخل إشكالية لقراءته، مفادها: لماذا بقي تاريخ سلا معتما، رغم ما أدته المدينة من أدوار طلائعية وبالرغم مما شهدته من تهديدات خارجية من طرف القوى الاستعمارية، منذ الهجوم القشتالي العنيف سنة 1260 مرورا بقنبلة 1851 ووصولا إلى الخضوع للاستعمال الفرنسي في ماي 2011؟


      في محاولة منه لتقريب مضامين الكتاب من المتلقي المهتم بتاريخ المدينة، اهتدى الدكتور بوشنتوف بحسه النقدي إلى لم التفاصيل، في مجموعة قضايا، مع الإسهاب في تحليلها وتأثيثها بتفاصيل تغري المتلقي بالعودة إليها بين ثنايا الكتاب، من خلال أبوابه الثلاثة، مع تركيزه على الباب الثالث المعنون بـ «سلا ما بين الفترة العزيزية والحفيظية» باعتبارها المرحلة الحاسمة في احتلال سلا، وهي المدينة التي بدأت تفقد مكانتها العلمية وهيبتها تدريجيا، منذ توقف الجهاد البحري، الذي أعقب الهجوم القشتالي الهمجي وانتقال المعاملات التجارية إلى الضفة الأخرى من نهر أبي رقراق، جراء انحسار مجراه على الضفة السلوية. لكن عودة السلطان عبد العزيز إلى فاس، وتركه العدوتين، دون سند شرعي، ستكون اللحظة الحاسمة، في تاريخ المدينة، فبعد استسلام كل من الدار البيضاء والرباط، لسلطات الحماية وظهور هذه الأخيرة بواجهة عصرية مغرية، أزاحت سلا عن صدارة الاهتمام من مدن المصب. مما ولد انقسام النخبة السلوية، بين داع للجهاد ضد المستعمر ومستأنس به. هذه المفارقة بين القبول بالاحتلال وبين الرغبة في الجهاد المتأصل في مدينة لم تنشأ “سلطانية”، هي ما سيجعل منها بؤرة للحركة الوطنية، منذ دعوة، علي عواد، العالم الحكيم والفقيه النبيه الشهير بمعارضته الشرسة لشرعنة الوجود الاستعماري، من على منبر المسجد الأعظم، إلى قراءة اللطيف، ليتردد صداه في أرجاء المغرب.  لذلك لا نستغرب إن صارت سلا منبتا للنضال السياسي والاجتماعي في تاريخ المغرب الحديث، وهي المدينة التي عرفت أعلاما بارزة في العلم والورع وتدبر أمور العيش في كرامة، دفاعا عن الهوية والأصالة المغربية.

 

      تميزت قراءة الدكتور محمد أوبيهي بمنهج أكاديمي يروم التعريف المفصل بمضمون الكتاب، خلت من نكهة القراءة السابقة، لكنها أكدت على علمية البحث وجدية المؤلف في الحفر في الوثائق الكاشفة عن حقيقة تاريخ سلا، مستلهما في مقاربته عمقا وجدانيا يكشف عن الوجه الإيجابي للاعتزاز بالانتماء. ووفاء للمنهج العلمي المذكور، أطر عرضه بالإشكالية التالية: كيف ساهم التدخل الأوربي في خلخلة البنية المحلية بمدينة سلا، ضمن استراتيجية عامة؟ توخى القارئ الجواب من خلال ثمانية قضايا عالجها المؤلف. وهي: موقع سلا من خلال المصادر التاريخية، نشأة سلا وما صاحبها من هجرات شكلت نسيجا اجتماعيا متجانسا، علاقة سلا بمحيطها القبلية، الحفر في التشكيلات الاجتماعية باعتماد منهجية التأريخ من أسفل (العائلات المهمشة والمنبوذة)، أهل سلا والقرصنة البحرية، النخب السلوية ومسالة الإصلاح، الاختراق الأوربي لسلا، مرحلة الحماية. واختتم الدكتور محمد أوبيهي بتوجيه توصية للمؤلف، بأن يمدد حفرياته في تاريخ سلا إلى فترة ما بعد 1912، بالنظر لأهميتها في تشكل المغرب الحديث.

      وفي كلمة للمؤلف، استحضر بداية علاقته بتاريخ سلا، منذ كان طفلا صغيرا. أما بالنسبة لدواعي تأليف كتاب «سلا “المدينة المقفلة”»، فقد عادت به الذاكرة إلى نشره وتحقيقه رحلة إدريس الجعيدي السلوي، “إتحاف الأخبار بغرائب الاخبار”، التي بها على جائزة دولية، وإلى نشره وتحقيقه مخطوط “الدرة الغراء في ترجمة الإمام عبد الله بن خضراء”. وهما من الشخصيات السلوية البارزة.

بقي أن نشير إلى التفاعل الذي حصل مع هذا النشاط العلمي، حيث غصت الخزانة العلمية الصبيحية بحضور أكاديمي ونوعي من المتتبعين والمهتمين بشؤون المدينة. وقد أفرزت القراءة والنقاش توصية، إن تم تنزيلها، في سياق هذا الزخم والرغبة في النبش في تراث المدينة، ستعود بالنفع الكبير، كما أفرزت اقتراح إحداث لجنة للبحث في مونوغرافية سلا.

تغطية: محمد موسي

شاهد أيضاً

مداخلات ندوة الحق في الذاكرة

نظمت جمعية سلا المستقبل يوم السبت 11 يناير 2025 بالمركب الثقافي سعيد حجي بسلا ، ندوة …

بلاغ وتوصيات ندوة الحق في الذاكرة

بدعوة من  جمعية سلا المستقبل، وبدعم من المجلس الوطني لحقوق الإنسان، وفي إطار تفعيل مكونات برنامج …

الحق في الذاكرة

ندو ة الحق في الذاكرة بين التنظير و التفعيل

 أماكن ذاكرة سلا نموذجا يندرج تنظيم ندوة الحق في الذاكرة بين التنظير والتفعيل : أماكن …

من لوحات الفنانة مليكة بنبلى

الفنانة مليكة بنبلى

مليكة بنبلى فنانة تشكيلية عصامية من مواليد مدينة سلا العريقة تميزت حياتها المهنية بشغل عدة …

لوحة للفنان لبيض عبد الرحيم

نبذة عن سيرة الفنان عبد الرحيم لبيض

ولدت في سلا، مدينة ضاربة في التاريخ وغنية بالتراث الثقافي الذي يتخلل الحياة اليومية. تراث …